من التكنولوجيا الفائقة إلى الموضة العالية

لتقنيات الرقمية بدأت تتغلغل بنشاط في جميع مجالات الحياة. حتى عالم الموضة الراقية، الذي يتميز بطبيعته المحافظة والحذرة تجاه كل ما هو جديد وغير تقليدي، لم يستطع مقاومة الاتجاهات العالمية.
الأمور التي كانت تبدو مجرد حلم بعيد أو خيال قبل عشرة أو خمسة عشر عامًا، أصبحت اليوم حقيقة واقعة. الإمكانيات الحالية للتصوير الفوتوغرافي والبصريات وأجهزة الكمبيوتر تسمح بتحقيق الأفكار التي كانت مستحيلة في السابق نظرًا لعدم توفر القاعدة التكنولوجية اللازمة. مستوى التطور الحالي للتكنولوجيا الرقمية يغير من تصور وتفاعل العلامات التجارية مع المستهلكين، مما يأخذها إلى مستوى جديد. استخدام الابتكار في العروض وأداء المجموعات الجديدة وإطلاق العلامات التجارية والمتاجر يجعلها أكثر روعةً وجاذبيةً حتى للجمهور المتطلب.
المصممون بدأوا في استخدام الواقع الافتراضي بنشاط، وتقنيات ثلاثية الأبعاد، وتقنيات RFID وNFC وغيرها من الابتكارات التقنية، ولكن ربما الأكثر شهرة ووعودًا هو الواقع المعزز (AR)، الذي أطلق العنان لخيارات التجربة الافتراضية، والعروض التفاعلية، والعديد من الإمكانيات غير المتخيلة.
عند الحديث عن الواقع المعزز، يُقصد جميع الخيارات الممكنة لإدخال الكائنات الخيالية في الفضاء الواقعي. يتم تحقيق التأثير المرغوب عن طريق إضافة نصوص أو صور رقمية على الفيديو والصور الفوتوغرافية للمساحة المحيطة في الوقت الفعلي. بمعنى آخر، باستخدام الواقع المعزز، يمكن عند توجيه الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي بكاميرا مفعلة نحو دمية العرض في النافذة، معرفة سعر الفستان، المادة، الحجم، وحتى شراؤه. مثال آخر بارز للواقع المعزز هو التجربة الافتراضية المألوفة للكثيرين حيث يمكن باستخدام كاميرا ويب بسيطة “تجربة” أي ملابس أو إكسسوارات ورؤية نفسك على شاشة الكمبيوتر كما لو كنت أمام مرآة.
مثل العديد من التقنيات الأخرى، تم تطوير الواقع المعزز في الأصل لصناعات الطيران والعسكرية، ومن ثم انتقل بنجاح إلى مجالات الترفيه والموضة والفنون. العلامات التجارية ذات الأسعار المتوسطة والتجار الكبار كانوا روادًا في تقديم التجارب الترفيهية للعملاء من خلال التجربة الافتراضية عبر الإنترنت، والشاشات التفاعلية والنوافذ. فقط خلال العام أو العامين الماضيين، تجاوزت العلامات التجارية الفاخرة مخاوفها من المجهول ولجأت أيضًا إلى التكنولوجيا العالية. بدأ الناس يدركون أن الابتكارات التقنية لا تتعارض مع جماليات الموضة الراقية والنبل، بل يمكن، إذا استخدمت بشكل صحيح، أن تؤكد على هذه الصفات. العلامات التجارية المشهورة في عالم الموضة تتجه بشكل متزايد نحو الابتكارات التقنية لتقديم تجربة فريدة لجمهورها، ومشاعر جديدة، وانطباعات وعواطف جديدة.
كانت العلامات البريطانية الأكثر جرأة وتقدمًا مثل: Cassette Playa وBurberry. بناءً على تجربتهم الشخصية، أثبتوا أن منصات عروض الأزياء في أسبوع الموضة العالمي كانت أفضل الأماكن لعرض ليس فقط المجموعات الجديدة، بل أيضًا التكنولوجيا العالية. في ربيع عام 2010، قدمت علامة ‘Cassette Playa’ عرضًا لا يُنسى استعرض مجموعات خريف وشتاء أسبوع الموضة في لندن. بفضل الرموز الرقمية الخاصة الموضوعة على الملابس والكاميرات الماسحة، كان بإمكان الزوار رؤية الأقنعة والقبعات والإكسسوارات الرائعة التي ظهرت فجأة على عارضات الأزياء على المنصة. ونتيجة لذلك، تمكنت المصممة كاري موندين من تحقيق تأثير حيث لم يكن الجمهور في بعض الأحيان قادرًا على التمييز ما إذا كانت الأشياء حقيقية أم افتراضية.
بعد عام، قدم كريستوفر بيلي، المدير الإبداعي لـ Burberry، عرضًا أكثر إثارة جمع بين الابتكارات في الموضة والتكنولوجيا العالية. كان العرض الخاص متزامنًا مع افتتاح المتجر الرئيسي للعلامة في بكين. تم تجهيز الغرفة بشاشة عرض رقمية مسطحة خارجية وأجهزة متعددة الوسائط أخرى. من بين العارضات اللواتي شاركن في العرض، كانت ستة فقط منهن فتيات حقيقيات، بينما كانت البقية عبارة عن هولوجرام تم بثه على فيلم شفاف خاص باستخدام العديد من أجهزة العرض. حققت التوليفة الصحيحة بين التكنولوجيا والموسيقى والموضة تأثيرًا سحريًا مذهلًا للجمهور، وأصبح العرض أحد أكثر القصص المدهشة في عالم الموضة الراقية.
لكن بعيدًا عن الجماليات، يُستخدم الواقع المعزز بشكل أوسع في الممارسة العملية. العلامة الفاخرة Net-a-Porter معروفة بتجاربها مع الواقع المعزز. طورت الشركة واجهة تفاعلية تسمى “The Window Shop” لليلة الموضة في سبتمبر 2011. كانت هناك نوافذ ضخمة تحتوي على صور لمنتجات مختلفة معروضة على موقع Net-a-Porter. هذه الواجهات، التي بدت في البداية غير ملحوظة، تحولت حرفيًا إلى الحياة على شاشات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية! الصور العادية للفستان تحولت إلى عارضات يرتدينها على المنصات. بالإضافة إلى إمكانية رؤية الموديل من جميع الزوايا، كان بإمكان المشترين النقر لاختيار الحجم واللون وشرائه فورًا. قدمت Net-a-Porter مجموعة جديدة من تصميم كارل لاغرفيلد في يناير 2012 حيث كررت تجربتها الناجحة في إنشاء واجهات افتراضية باستخدام الواقع المعزز. هذه المرة، غطى المشروع خمس مدن وقدم تجربة لا تُنسى للنساء في باريس ونيويورك ولندن وبرلين وسيدني. ماركة Hugo Boss تجاوزت ذلك في استخدام التكنولوجيا حيث وضعت شاشة تفاعلية بارتفاع 8 أمتار داخل مكتبها، وتمكن الزوار من “تلبيس” العارضات بملابس من مجموعات Hugo Boss والتحكم في حركاتهم. التجارب الافتراضية تظهر الفوائد العملية للواقع المعزز. العام الماضي، ظهر هذا الابتكار في فرع موسكو من متجر الأزياء البريطاني “TopShop”. غرف القياس الافتراضية جمعت بين اثنتين من أحدث التقنيات: الواقع المعزز وتقنية Microsoft Kinect. لم يكن بمقدور الناس فقط رؤية أنفسهم في الملابس الجديدة على الشاشات، بل كان بإمكانهم أيضًا التحكم في البرنامج من خلال التلويح بأيديهم والضغط على الأزرار غير المرئية في الهواء. “هذا هو القياس الحقيقي،” يقول ماثيو شيمتشوك، الرئيس التنفيذي لشركة Zugara – إحدى الشركات الرائدة في تطوير تقنية الواقع المعزز. “عندما يشاهد الناس عروض الأزياء أو المجلات، يميلون إلى تخيل أنفسهم في الملابس العصرية. الواقع المعزز يسمح لنا بحل هذه المشكلة”.
ومن الجدير بالذكر أن التكنولوجيا الرقمية تُستخدم بنشاط حتى من قبل المجلات المطبوعة للموضة. تم رصد علامات خاصة لإنشاء الواقع المعزز على صفحات مجلات مثل Dazed & Confused وTattler وInStyle. بمجرد أن تدخل العلامة في مجال الرؤية، تنبض المجلة بالحياة وتتحول النسخة الورقية التقليدية إلى صفحات فيديو تفاعلية. باستخدام هذه التقنية، قام هنري هولاند، المعروف بآرائه غير التقليدية وحبه للابتكارات التقنية، بتزيين عدد ديسمبر من InStyle UK بالواقع المعزز. تطبيق مجاني، جهاز لوحي، وكاميرا – وبدلًا من النقش الفهد على الغلاف يظهر فيديو من عرض House of Holland لمجموعة S/S 2012.
جميع هذه الأمثلة تشير إلى أن الموضة تنتقل إلى مستوى جديد. رغم أن هناك من يشكك في أن للواقع المعزز مستقبلًا في عالم الموضة، على الأقل فيما يتعلق بالتجربة الافتراضية. بالفعل، التكنولوجيا الحالية ليست مثالية – من الصعب معرفة مدى ملاءمة الملابس، وما إذا كانت تأخذ في الاعتبار الخصائص الفردية للجسم، وما هي جودة النسيج… هل سيتمكن الواقع المعزز من الإجابة عن هذه الأسئلة يومًا ما؟ بالنظر إلى أنه قبل 10 سنوات لم يكن هناك حتى جهاز لوحي أو هاتف ذكي، وأن فكرة التجربة الافتراضية كانت تبدو وكأنها شيء من الخيال، فإن التوقعات أكثر من متفائلة.